تنامى خطاب الكراهية بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع بصورة مكثفة، وأصبح وقود للحرب ومسعى مغاير لمطالبات الوحدة والسلام والتعايش وإيقاف الحرب، وفي إطار محاربة الظاهرة نشطت حملة ” نحن واحد” التي أطلقها ناشطون في مجال حقوق الإنسان لمكافحة خطاب الكراهية والحد من انتشاره. برنامج “في الميزان”، الذي يبث عبر “راديو دبنقا” الجمعة من كل أسبوع، طرح عدة أسئلة تتعلق بانتشار خطاب الكراهية وكيفية مكافحته وأثر القوانين المحلية والدولية في الحد من الظاهرة حيث يروج لخطاب الكراهية على أساس سياسي وعرقي وديني، لضرب النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة.
أهداف الحملة
يقول: المدافع عن حقوق الإنسان محجوب عبد الله المحامي مدير حملة ” نحن واحد” أن خطاب الكراهية بات هاجس يؤرق الشعب السوداني ومهدد لداعمي الوحدة والتعايش ويشير إلى أن هذه الظاهرة انتشرت ووجدت بيئتها الخصبة اثناء الحرب، وتابع: نحن نعمل من خلال حملة ” نحن واحد ” التي ابتدرها ناشطون في مجال حقوق الانسان من منظمات مختلفة وأفراد صحفيين قانونيين مهتمين بالشأن العام.
ويوضح محجوب أن الحملة بدأت في مايو من العام الحالي وتضمنت عدد من الأنشطة مثل الندوات التي تم بثها على الموقع المخصص للحملة، كما تم استكتاب صحفيين لنشر ثقافة مناهضة لخطاب الكراهية وتوعية الناس عبر مقالات نشرت في الموقع، ويقول: “استخدمنا من خلال الموقع جرعات توعوية عبر بث مقاطع فيديوهات تعليمية تتناول خطورة خطاب الكراهية والتعريف به وهي تخاطب كآفة اطياف الشعب السوداني بمختلف سحناته وكياناته الاجتماعية ولهجاته إذ أن هنالك أناس ينشرون خطاب الكراهية عن جهل ودون أن يدركوا خطورة الامر.
ويشير المحامي محجوب إلى أن أعضاء حملة ” نحن واحد ” تمكنوا من مخاطبة اجتماعات القمة الأفريقية التي ناقشت الحرب في السودان، وكذلك المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وأيضا تواصلنا مع جهات دولية من أجل الضغط على القيادة في الحكومة للقيام بدورها من خلال أجهزتها الرسمية (التلفاز والإذاعة القومية) لنشر ثقافة التسامح ونبذ الكراهية، ومن خلال مخاطبات المسؤولين الجماهيرية واعتقد أن الحملة نجحت الى حد كبير منذ بداية انطلاقها.
ويوضح رئيس حملة (نحن واحد) ان الحملة ملك للجميع وهي مفتوحة للراغبين في الانضمام اليها والمشاركة في تحقيق أهدافها وهذا يساعد على نشر ثقافة نبذ الكراهية.
تكييف قانوني
يسلط عثمان حسن صالح علم المحامي الضوء على التعريف بخطاب الكراهية وفق القانون الدولي والمواثيق الدولية ويقول: ” خطاب الكراهية هو واحد من المصطلحات التي انتشرت بسرعة كبيرة جدًا على كآفة المستويات في ظل الحرب الدائرة الآن، ونجد هذا المصطلح في القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال بعض المواد في القانون الدولي الإنساني منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 20 التي تتحدث عن مسألة خطاب الكراهية (الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف).
ويقول المحامي والمدافع الحقوقي صالح إنَّ التعريف هنا أو المصدر يتحدث عن التمييز وعن العداوة والعنف، لكن لا يوجد تعريف واضح شامل لما هو خطاب الكراهية، أما الأمم المتحدة عرفته بأنه اي خطاب الكراهية ( نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي ويشمل الإيماءات والرموز وحتى الرسوم التي تستهدف شخص أو مجموعة أو استخدام لغة الازدراء أو التمييز بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية أو العناصر التي تشكل الهوية مثل الدين والانتماء العربي أو اللون أو النسب، وخطاب الكراهية هو خطاب تمييزي متحيز متعصب غير متسامح ازدرائي احتقاري مهين مذل لفرد أو مجموعة).
ويشير الى أنه من خلال التعريف يتضح معنى خطاب الكراهية، وهو منتشر عبر استخدام الخطاب الشفاهي وهنالك جهات ادمنت نشر ذلك الخطاب المعادي للمكونات في السودان واستمرار ذلك الخطاب يؤدي إلى العنف والابادة الجماعية مثلما حدث في عدد من دول العالم.
مسؤولية فردية
توضح المحامية محاسن عوض بلال أن المشرع السوداني ذكر تعريف جريمة الكراهية في القوانين السودانية حيث حدد القانون الجنائي السوداني سنة 1991م تعديل 2020 في المادة 64 التي جاء فيها ( من يعمل على إثارة الكراهية أو الاحتقار او العداوة ضد اي طائفة أو بين الطوائف بسبب اختلاف العرق أو اللون أو اللسان أو بأي كيفية تعرض السلام العام للخطر، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين او بالغرامة او بالعقوبتين معًا)، كما أن قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 في المادة 26 الزم الصحف بعدم نشر أي أمر يتعارض مع الأديان أو كريم المعتقدات او الأعراف أو العلم.
وتضيف المدافعة الحقوقية، محاسن عوض بلال أن المجتمع السوداني به مجموعات قبلية متعددة واثنيات مختلفة ولهجات وأشكال مختلفة في الحياة، وقد يحدث احتكاكات بين القبائل وينتج عنها خطاب الكراهية من خلال احتقار قبيلة للأخرى، وقد أدرك المشرع السوداني خطورة تلك المسالة بتجريم الفعل اذ ان القوانين في العالم وضعت من أجل المجتمعات المتعددة التي تعيش في قطر واحد لأن تتعايش مع بعضها البعض بسلام وان أي شخص يعادي السلام العالمي يجب أن يجرم.
واعتبرت أن المشرع السوداني هدفه من خلال وضع القوانين تشجيع الناس على التعايش بسلام ويحذر من يريد نشر خطاب الكراهية، بين الناس ويقوم بأي سلوك يهدد السلم والامن ويعرض التعايش بين المجموعات القبلية الى التحارب والتشرذم، فإنه يعاقب بالسجن أو الغرامة أو العقوبتين معا.
لكنها ترى أن القانون وحده لا يكفي، فلابد من العمل على نشر ثقافة السلام والتعايش والتسامح، وتقول: هنا أوجه رسالتي للصحفيين والصحافة والإعلام عموماً بأن يعملوا على نشر هذه الثقافة وعدم بث الكراهية بين الناس من خلال الأجهزة الإعلامية والصحافة، وأن من يفعل ذلك يجد قانون الصحافة والمطبوعات في مواجهته.
التزام وطني
الدكتورة رنا عبد الغفار المحامية والناشطة في مجال حقوق الانسان تقول إنَّ خطاب الكراهية ضد أي عرق أو مجموعة من الأشخاص، أو الازدراء بسبب اللون يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
وتشير إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من خلال المادة 20 فقرة 2 والتي تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية، أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، لأن القانون الدولي حذر خطاب الكراهية بموجب القانون الدولي ولأن الدعوة أو الترويج لخطابات الكراهية ستكون السبب الذي يؤدي إلى جرائم فظيعة ارتكبت بناء عليه، كما حدث في رواندا وبروندي وفي البوسنة وفي كامبوديا.
وتوضح رنا أن السودان شهد خلال الحرب ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، منها الكلام والترويج للكراهية وأن العديد من المعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية قامت للقضاء على جميع أشكال أو الدعوة أو الترويج للكراهية، وتقول في عام 1965 تم الإعلان عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969 التي أوضحت أن التمييز والعداء والعنف جريمة دولية وجريمة ضد الإنسانية.
وتشير “عبدالغفار” إلى أن السودان طرف في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تتعلق بمكافحة خطاب الكراهية والتمييز العنصري، وهنالك اتفاقيات وقع وصادق عليها السودان مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وهي اتفاقية تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على التمييز العنصري وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس، والسودان صادق عليها في عام 1977 ولم يوقع فقط بل صادق عليها بواسطة البرلمان، ما يعني أن القانون الداخلي تضمن العديد من المواد التي تجرم التحريض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية.
وتضيف أن السودان موقع ومصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1986 الذي يلزم بضمان المساواة وعدم التمييز في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أيضا السودان موقع ومصادق على الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب وتضمن هذا الميثاق على احكام تمنع التمييز وتحث على التسامح والمساواة.
وتقول المدافعة الحقوقية كان من المفترض ان تعمل حكومات السودان من العام 1977 على مكافحة ومحاربة خطاب الكراهية والتمييز العنصري، والمصادقة على المعاهدات التي وافقت عليها ولم يتم المصادقة عليها مثل التمييز ضد المرأة أو القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، واعتبرت أن هذا الأمر حدث فيه جدال كبير في حكومة الإسلاميين لآرائهم المتطرفة وقصور الفهم في التعامل مع القوانيين الدولية التي تسمح بالتحفظ على البنود التي تختلف مع الدين الإسلامي، إذ أن السودان ملزم بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الموقع عليها باتخاذ تدابير قانونية وادارية للقضاء على خطاب الكراهية والتمييز العنصري وتعزيز حقوق الانسان في السودان لجميع الافراد على قدم المساواة.
وتنوه الدكتورة رنا عبدالغفار إلى أن قانون الجيش 2007 تعديل 2013 نص في المادة السابعة وفي المادة السادسة منه فقرة ج، على أن مهام الجيش حماية القانون وحماية الدستور وحماية حقوق الانسان وسيادة حكم القانون، يعني الجيش أن المفروض انه يكون حامي لحقوق الانسان وضد التحريض على التمييز والعداء وكذلك قوات الدعم السريع هما ملتزمان بتنفيذ عمل القانون الدولي الانساني.